علمت “الصحيفة” من مصادر مسؤولة متفرقة وعلى اطّلاع مباشر بترتيبات الأيام الأخيرة داخل قطاع الصحة بجهة سوس – ماسة، أن بوصلة القرار تتجه نحو إحداث تغيير على رأس المديرية الجهوية للصحة، في خطوة يَعتبرها المصدر “استجابة عملية لضغط اجتماعي غير مسبوق” تَمثّل في وقفات واحتجاجات متلاحقة أمام المركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بأكادير.
وتؤكد المصادر ذاتها أنّ الدكتورة التَّجمُّعية لمياء شاكري الجالسة على رأس المديرية الجهوية للصحة “توشك على فقدان منصبها”، بعدما “تَركّز عليها غضب جزء من الرأي العام المحلي والهيئات المدنية”، مشيرة إلى أن ترتيبات زيارة زميلها في الحزب وزير الصحة إلى أكادير “تمّت دون إشراكها في الحلقة الضيقة للمتابعة الميدانية”، في إشارةٍ منه إلى ما وصفه بـ”إقصاء عملي” خلال الزيارة الأخيرة للمرفق الاستشفائي وما رافقها من لقاءات سريعة مع مسؤولين وأطر داخل المؤسسة.
وتضيف المصادر ذاتها أنّ “تصاعد المطالبة بإجراءات فورية وحاسمة” جعل من تغيير القيادة الجهوية “خيارا مطروحا بقوة على طاولة الوزير وحزبه”، في أفق إعادة ترتيب المسؤوليات وربطها بأجندة إنقاذ عاجلة للمستشفى.
هذه المعطيات تأتي على وقع غضبٍ اجتماعي مضاعف، وثّقته وقفتان على الأقل خلال أسبوع واحد أمام مستشفى الحسن الثاني، رفعت فيهما شعارات تُحمّل المديرية الجهوية وإدارة المستشفى ووزارة الصحة تبعات “تردي الخدمات والاكتظاظ وتأخر المواعيد” مع دعوات صريحة لـ”رحيل المديرة الجهوية” وفتح تحقيق في وفيات Maternal مؤلمة أثارت موجة استنكار واسعة.
وتخللت الاحتجاجات لحظات توتر وتدخلات أمنية لتفريق التجمع أمام البوابة الرئيسية، بينما طالبت فعاليات حقوقية بتحقيق قضائي “عاجل وشفاف” وتدابير استعجالية لتقوية الموارد والتجهيزات فيما هذه الصورة العامة عززتها تغطياتٌ أشارت صراحة إلى تحميل المحتجين المديرة الجهوية لمياء شاكري قسطا من المسؤولية والمطالبة بمغادرتها المنصب، بوصفها الحلقة التنفيذية الأولى لسياسات الصحة في الجهة.
في المقابل، خرجت شاكري بخطاب رقمي – تفسيري حاول وضع الأزمة في إطار ضغط هيكلي طويل الأمد على المستشفى المرجعي لجهة سوس، مع عرض مؤشرات للنشاط الطبي خلال النصف الأول من السنة، والإقرار بنقائص وإكراهات موضوعية في الاستقبال والموارد والتجهيزات.
غير أن تنظيمها للقاء صحافي عشية إحدى الوقفات لتقديم صورة شاملة عن “العبء الذي يفوق الطاقة الاستيعابية” للمرفق، بالتوازي مع الإعلان عن خطة لإعادة التأهيل والتوسعة بميزانية تناهز 200 مليون درهم، وبرمجة حلول تنظيمية لتخفيف الضغط (عيادة النهار، مسارات عاجلة، وتدعيم الاستقبال)، لم يمتص غضب الشارع إذ أن هذا الجهد الاتصالي لم يوقف موجة الغضب، إذ ظلت الفجوة قائمة بين “رقم مُعلن” و”تجربة مريض يومية” كما عكستها الشعارات الحادّة في الميدان.
وتُظهر القراءة السياسية – التنظيمية لسيرة شاكري أنّ شخصها يَحمل رمزية مضاعفة، فهي طبيبة ومسارها الإداري طويل بين شيشاوة وتيزنيت ثم جهة مراكش – آسفي قبل تعيينها سنة 2022 مديرة جهوية للصحة بجهة سوس – ماسة، كما أن انخراطها العلني في حزب التجمع الوطني للأحرار ثابتٌ منذ فبراير 2021، عبر حضورها نشاطا تنظيميا وُصف حينها بأنه إعلانٌ رسمي لالتحاقها بـ”حزب الحمامة” وهذا البُعد الحزبي عاد للسطح مع اشتداد الأزمة، سواء في النقاش العمومي أو في تفسيرات بعض المحتجين لـ”حصانة سياسية” مفترضة، وهو ما زاد من حساسية وضعها خلال لحظةٍ مشحونة يُطالب فيها الشارع بالمحاسبة والفعالية قبل الانتماءات.
من جهة ثانية، فبعد موجة التنديد بـ”وفيات أليمة” واتهاماتٍ بـ”تدهور شروط الاستقبال” و”نقص التجهيزات المنقذة للحياة”، تقاطعت تقارير متعددة على أنّ وزارة الصحة تتجه إلى “تدبير أزمة” بمزيج من المعالجة التقنية العاجلة (تجهيزات وموارد وخطة تأهيل) ومسؤولية إدارية-سياسية قد تطال القيادات الوسطى في الجهة.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر “الصحيفة” إنّ “الرسالة التي التقطتها الوزارة واضحة لا يمكن احتواء الغضب إلا بإجراءات ملموسة تُرى وتُلمس… وتغييرُ رأس الهرم الجهوي واحدٌ من هذه الإشارات”، وفي السياق ذاته، تَعتبر مصادر محلية أن الزيارة الوزارية السريعة أعقبتها ورشةُ متابعة مصغّرة ركزت على تسريع تفعيل برامج الدعم، ما يوحي بأن الرباط اختارت مقاربة “الصدمة التنظيمية” بدل الاكتفاء بالوعود.
على الضفة الأخرى من السرد، ثمة تفاصيل تُفسّر لماذا تحوّل الضغط الشعبي إلى تركيزٍ شخصيّ على المديرة الجهوية، فالمستشفى الجهوي الحسن الثاني لا يخدم أكادير وحدها، بل يستقبل حالات معقدة من مدن الجهات الجنوبية كافة، ما يخلق اختلالا بنيويا بين الطلب والقدرة الاستيعابية.
وقد اعترفت شاكري نفسها بهذا الواقع في تصريحات شارحة لوسائل إعلامية، وتبنّت رواية “الضغط يولد الأعطاب” مع استعراض أرقام لحالات الاستعجال والولادات والعمليات والفحوص المتقدمة (سكانِر – IRM) لكن مع اتساع رقعة الاحتجاجات وتماسك شعارات من قبيل “سبيطار خاصّو سبيطار”، تفوق رمزيةُ الشعار وقعَ الأرقام، وتتجه البوصلات – في كل أزمات المرافق العمومية تقريبا إلى “شخصنة” المسؤولية طلبا لقرارٍ فوريّ.
سياسيًا، تُضاعف هذه الأزمة إشكال “ازدواجية القبعة”، فشاكري قيادية حزبية في التجمع الوطني للأحرار ومديرة جهوية تمثل ذراع الوزارة التنفيذي في جهة يقود مجلسها رئيس الحكومة نفسه بقبعته الجماعية، ما يجعل “الحساب العام” هنا أكثر تعقيدا فمن جهة غضبٌ اجتماعي يطلب نتائج، ومعادلة حزبية حكومية تحاول الموازنة بين “حماية الأطر” و”كلفة الإبقاء على الوجوه ذاتها” في السنة التشريعية الأخيرة من عمر الحكومة.
ومع أن الوزارة أطلقت حزمة تعهدات لإعادة تأهيل المستشفى وتخفيف الضغط بميزانية تناهز 200 مليون درهم، وتحدثت تقارير عن تسريع مسار المركز الاستشفائي الجامعي بأكادير، كحلّ هيكلي لامتصاص الحالات المعقدة، فإنّ اختبار الشارع سيبقى عمليا ومباشرا هل ستنخفض أوقات الانتظار؟ هل سيتحسن الاستقبال وتتوفر التجهيزات المنقذة للحياة؟ وهل سيُعلن عن نتائج تحقيقات مؤسسية في الوفيات التي أشعلت الأزمة؟ هنا، يَظهر تغييرُ القيادة الجهوية – إن حصل – كجزء من “أثر ملموس” يُراد منه ترميم الثقة وإظهار إرادة في ربط المسؤولية بالمحاسبة.